وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [سورة النحل:9٢]
طالما توقفت عند هذه الاية والتي قبلها في سورة النحل(والتي سأنقل لكم قصتها فيما بعد). في البداية لم اتفكر في امر هذه الاية ولكن كلما قرأتها تأكدت ان لها معنى عظيم ولابد ان استفهمه. ربما تعني الاية ان الشخص يجب الا يتسرع في اتخاذ القرار والا فإنه سوف ينسف كل ما صنعه قبل اتخاذ القرار؟ ربما تعني بأن في التأني السلامة وقد تعني بـأن الغضب قد يسبب لنا مشاكل لا حصر لها. وقد تعني أن هذه الانسانة فقط حمقاء تفعل الشيئ ولا تستطيع إكماله ولكنني لا أعتقد بأن هذا غيرصحيح لانه لا توجد كلمة في القرآن لم يقصد بها شيئا ما. ..
تذكرت المرات العديدة التي فكرت فيها بأعمال جديدة وكيف اني بدأتها ورسمت خططها واستأجرت هؤلاء الذين سيعملون فيها وكانت خطة العمل جيدة وكل شيئ يبدو رائع ويبشر بالنجاح. ولكن في النهاية وجدت بأني اصرف من المبالغ لاتمم الخطة والتي اعرف بأنها لن تنجح. اذا لماذا فكرت في الفكرة ” ولماذا نقضت الغزل” ؟ هل لأني بدآت بداية صحيحة (أو هذا ما اعتقدته في البداية) أو لان خطتي حسبت كل الامور الا هؤلاء الذين سنعمل معهم. في الحقيقة التساؤلات جميعها صحيحة لأن الخطة الصحيحة لا بد ان تشمل الاشخاص الذين سنعمل معهم. بعدها اكتشفت بأنهم لن يعملوا معي لان الفكرة لم تكن موجودة او انها سابقة عن أوانها. ولذا كان ما يسمى بنقض الغزل.
تنطبق الاية على اللذين يتزوجون بدون التفكير الملي في حياتهما بعد الزواج! هل سيتمكنا من الحياة معا؟ هل عرفوا بعضهما؟ هل يستطيعان قهر المصاعب؟ هل سيتمكنان من تغطية مصاريف حياتهما؟ هل تنطبق اخلاقهما الغير مرئية قبل الزواج؟ هل يتحسس الشخص من طعام معين والاخر لا يصيبه اية مشكلة؟ هل سيستطيعان الحصول على الاطفال؟ هل يعرفان كيف يربيان اطفالهما؟ والى آخره من تساؤلات لم تتم الاجابة عليها وبالتالي ينهدم صرح الزوجية ويُنقض الغزل
توجد في الحياة أمور ومشكلات كثيرة إذ اننا ربما لن نتفق حتى على اي موظف نريد ان نوظفه في الشركة او كمية الملح التي توضع في الطعام وربما حتى نوع السيارة او المنطقة التي نود السفر اليها، أو المكتب الجديد الذي نريد ان نأخذه وهكذا ولكن هل نستطيع ان نمنع نقض الغزل؟
في اعتقادي نستطيع ان نبحث في كل حفرة وفي كل مكان قبل البدء بالشيئ (سواء عمل او تأسيس شركة او زواج او حتى في اختيار الصديق) وربما نستطيع ان نمنع بنسبة ٩٩٪ ان الصرح لن يتهدم وان الغزل لن ينقض. وال١٪ هي من الله، وربما نكون متأكدين بأن عملنا او اي شيئ ننوي القيام به قد حسبناه من كل ناحية وتأكدنا بأننا على الطريق الصحيح فتأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ونفشل في النهاية. ولكن…. ربما الفشل هو الاساس والنجاح هو الطفرة! أقول ربما ولذا تبدأ الاية بفشل المرأة قبل ان نستبين بأن كل هذا هو اختبار وبأننا سوف نسقط ونقوم ونسقط مرة أخرى ونقوم وبعدها ربما لن نسقط أبدا؟ ما رأيكم
هذه هي القصة :
المرأة التي “نقضت غزلها“.. لماذا حذرنا الله منها؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرَّجلَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، ما كان يظُنُّ أن تبلُغَ ما بلغت، يكتبُ اللهُ له بها رضوانَه إلى يومِ يلقاه، وإنَّ الرَّجلَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ ، ما كان يظُنُّ أن تبلُغَ ما بلغت ، يكتبُ اللهُ له بها سخطَه إلى يومِ يلقاه».
وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان:23] وكذلك في الحديث،قال صلى الله عليه وسلم : «أتدرون ما المفلِسُ ؟ قالوا : المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ . فقال : إنَّ المفلسَ من أمَّتي ، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مالَ هذا ، وسفك دمَ هذا ، وضرب هذا . فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه . فإن فَنِيَتْ حسناتُه ، قبل أن يقضيَ ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه . ثمَّ طُرِح في النَّارِ».
قصة الحمقاء التي نقضت غزلها
وَلم يكن هناك في تصوير الإنسان الذي يحبط عمله بيديه، أفضل من قصة المرأة الحمقاء التي ذكرها القرآن، حيث يقول الله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)، «سورة النحل: الآية 92».
وناقضة الغزل، المذكورة يقال إنها ريطة بنت عمرو بن سعد، لم يرد اسمها صراحة في القرآن الكريم، لكن الله سبحانه وتعالى جعلها مثالاً وعظة، فقد كانت امرأة حمقاء معروفة في مكة، سميت جعرانة لحماقتها، يقال إن فيها وسوسة.
قال ابن عاشور كانت معروفة عند المخاطبين، بوصفها ولم يكن لها نظير في فعلها ذلك، وذكر أنها خرقاء مختلة العقل، كانت تغزل هي وجواريها، اتخذت مغزلاً، وكن يغزلن من الصباح، حتى إذا كان المساء وأتقن الغزل أمرتهن فنقض غزلها، فكان هذا دأبها لا تكف عن الغَزل، ولا تبقي ما غزلت.
يقول العلماء: إن بعض القبائل عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا قريشاً أكثر عدداً، وأكثر عدة وأقوى جمعاً، ندموا على عهدهم، فنقضوا عهدهم مع الرسول، وتفاوضوا مع قريش، وانضموا إليها، لذلك نهى سبحانه عن ذلك، أي لا ترجعوا في عهودكم، فيكون مَثَلكم مثل امرأة غزلت غَزْلا وأحكمته، ثم نقضته، تجعلون أيمانكم التي حلفتموها عند التعاهد خديعة لمن عاهدتموه، وتنقضون عهدكم إذا وجدتم جماعة أكثر مالا ومنفعة من الذين عاهدتموهم، إنما يختبركم الله بما أمركم به من الوفاء بالعهود وما نهاكم عنه مِن نقضها، وليبيِّن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون في الدنيا من الإيمان بالله ونبوة محمد.
وقال سعيد بن جبير، ولا تكونوا في نقض العهد بمنزلة التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، يعني بعد ما أبرمته «تتخذون أيمانكم» يعني العهد «دخلا بينكم»، يعني مكراً أو خديعة ليدخل العلة فيستحل به نقض العهد، فكان تشبيه نقض العهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على صفة متعاطيها، وذلك كالتي غزلت غزلاً قوياً، فإذا استحكم نقضت غزلها فجعلته أنكاثاً، فتعبت على الغزل، ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء، وسفاهة العقل ونقض الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه، فهو ظالم جاهل سفيه، ناقض الدين والمروءة.
وقال الإمام الشعراوي، الآية ذكرت المرأة في هذا العمل لأنه خاص بالنساء في هذا الوقت دون الرجال، فكانت المرأة تمارس في بيتها هذه الصناعة البسيطة وتكوِّن منها أثاث بيتها من فرش وملابس، وهذا العمل يحتاج إلى جهد ووقت في الغزل، ويحتاج إلى أكثر منه في نقضه وفكِّه، فهذه عملية شاقة، وربما أمرت الجواري بفك الغزل والنسيج أيضاً، لذلك أطلقوا عليها حمقاء قريش.
ويدل قوله «من بعد قوة»، على المراحل التي تمر بها عملية الغزل الشاقة، فكأن القرآن شبه الذي يعطي العهد ويوثقه بالأيمان المؤكدة، ويجعل الله وكيلا وشاهدا على ما يقول بالتي غزلت هذا الغزل، وتحملت مشقته ثم راحت فنقضت ما أنجزته وفكت ما غزلت.
فبهذا المثل المشاهد يحذرنا الحق تبارك وتعالى من إخلاف العهد ونقضه، لأنه سبحانه يريد أن يصون مصالح الخلق، لأنها قائمة على التعاقد والتعاهد والأيمان التي تبرم بينهم، فمن خان العهد أو نقض الأيمان لا يوثق فيه، ويسقطه المجتمع من نظره ويعزله عن حركة التعامل التي تقوم على الثقة المتبادلة بين الناس.
وليس أسوأ من الإنسان الذي ينقض عهده مع الله، بعد أن يؤمن ويعمل صالحا، ويعاهد الله على ألا يعود للذنوب مرة أخرى، ثم ينقض عهده، فلا يدري أقبض على صلاح حال أم على معصية؟.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «جتَنبواالسَّبعَ الموبقاتِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ : وما هنَّ ؟ قال : الشِّركُ باللهِ ، والسِّحرُ ، وقتلُ النَّفسِ الَّتي حرَّم اللهُ إلَّا بالحقِّ ، وأكلُ الرِّبا ، وأكلُ مالِ اليتيمِ ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ ، وقذفُ المحصَناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ» (صحيح البخاري).
فكل ما حذر منه النبي هو من نقض العهود التي تحبط عمل المسلم، خاصة وأن هناك الكثير من المسلمين يتعبدون لله بأحسن حال من صلاة وزكاة وهيئة، إلا أنه ربما يكون مرتشيا، أو سيئ الخلق، أو يأكل من حرام وينبت أسرته من حرام، فيحبط عمله، وترفع البركة من رزقه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللهِ . قال : إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ . لا أقولُ : إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ».
ومن محبطات الأعمال كذلك المن قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّـهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة 264:262].