لا أعرف لماذا! كلما مررت في هذا الشارع انظر الى اليمين لأتأكد ان صاحب الكتب موجود على طاولته واذا كان هناك انظر الى طاولته لارى ماذا يفعل!!
أول مرة رأيته كان واقفا قرب سيارته وقد رفع باب الصندوق وأسند الكتب بطريقة ظريفه! كنت ذاهبة الى ذلك الشارع الصاخب المليء بالناس والسيارات والمحلات التجارية لاشتري بعض الحاجيات! شارعاً مرصوفاً نصفه والنصف الاخر غير مرصوف ولا توجد به اية أشجار او زينة، إنه شارع عادي ويعتبر شارعا للخد مات فقط. وعندما لمحت الكتب ذهبت لأرى ماذا عنده؟ كنت ابحث عن كتابا ولم تحن لي الفرصة لازور محلا لبيع الكتب! سألته عن الكتاب فقال بأنه لا يوجد عنده ولكنه سيحاول ان يجده لي. اعطيته رقمي، طمئنني بأنه سيبعث لي برسالة نصية اذا حصل على الكتاب. بعد اسبوع بعث بالرسالة وذهبت لاستلم الكتاب وقلت له بأني أبحث عن كتب أخرى وارسلت له القائمة برسالة نصية. وكلما ذهبت الى هذا الشارع اجده يفترش الكتب في صندوق السيارة!!
ذات يوم وجدته قد وضع طاولة وكرسي خلف السيارة وقد افترش عليها الكتب وجلس يقرأ كتابا. لا اجد احدا يتوقف عنده! الكل ذاهب لشراء حاجيات البيت لان هذا الشارع بالذات لا توجد به محلات تجارية كمالية (ملابس وغيره) بل فقط السوبرماركتات ، ومحلات العصير والسندويتشات وكذلك المخابز والايسكريم وأحيانا نجد باعة متجولون قد افترشوا جانبا من الطريق لبيع بعض الاشياء كالفواكه التي قطفوها من حدائقهم او التمور التي جمعوها من نخيلهم واحيانا الحب الشمسي الذي دخل في سلسة طويلة من التحولات بدأ بنبته ثم اصبحت النبتة زهرة عباد الشمس وتمنى الجالس لو كان فان جوخ موجودا ليرسم منظر هذه الازهار، وعندما نشفت الزهرات جمع حباتها وقلاها واحضرها ليبيعها بسعر زهيد.
ولكن تذكرت بأن البائعين في البلدان الاخرى مثل مصر والعراق واوروبا يفترشون الارض في الشوارع ويبيعون الكتب ! اذ لا يمكن لاي انسان إلا ان يتوقف ويبحث عن كتاب اذا وجد أمامه احدا يبيع الكتب. ربما ستثير قريحته وجود كتابا شعرياً او قصة او ربما كتابا علميا. وقد يكون مع هذا الشخص طفلا يود ان يقرأ قصة او كتابا كارتوني (comic book) كتلك التي كنا نقرأها عندما كنا صغار. وربما تأتي إمرأة تريد ان تؤلف كتابا وتحاول البحث عن كتاب يتحدث عن طرق الكتابة. قراءة الكتب قد تكون نابعة من نفس الانسان او قد تكون ايحائية بما معناه ان تجلس في مكان وتقرأ كتابا وأمر أنا فأنظر الى الغلاف وقد يعجبني واحاول ان ابحث عنه (مثلما يقولون الكتاب يعرف من عنوانه)
في بداية الامر استغربت من هذا الرجل وكيف يجلس في الشارع ليبيع الكتب! لان الناس في هذا البلد تبيع كل شيء في الشوارع ما عدى الكتب. تبيع الاكلات الشعبية او الملابس الرخيصة او العاب الاطفال (تقام اسواق مؤقتة في جميع المناطق وكل يوم في مكان) ولم ارى فيها بائعا للكتب. في الحقيقة وجدت العديد من السوبرماركتات يضعون بعض الرفوف للكتب وهذا شيء ممتع جدا اذ يتمكن الوالد من ترك البنت او الابن بجانب هذه الارفف ليطالعوا الكتب بينما يذهب لاتمام شراء قائمة الحاجيات! وهذا بالطبع افضل من ذهاب الاطفال الى منطقة الحلويات (والتي هي اغلى من الكتب) ولن تفعل الكتب ما تفعله الحلويات بالاسنان بل انها ستزيد المخ طراوة. وكذلك بعضا من الكافيهات تضع عدة رفوفا للكتب لتشجيع الجالسين على القرأءة؛ اذ أتذكر ذات مرة اني قد ذهبت الى مقهى جميل وتصفحت بعض الكتب فوجدت كتابا قد رأيت فلما مقتبسا عنه فطلبت من البائع ان يعيرني الكتاب وقد كان لهذا الكتاب تأثيرا كبيرا على نفسي؛ وأتذكر بأني لما ارجعته له قال لي بأنه هدية لي اذ لم يسبق لاحد ان يستلف كتابا منه. لذا قررت الجلوس وشرب القهوة وأكملت كتابا محمل على تليفوني. ربما ستتسائلون اذا كانت الكتب المحملة على الكندل او التليفون قد قضت على الكتاب الورقي؟ لا اعتقد بأن اي شيئ سيجعلنا نترك الكتاب الورقي.
ربما نحتاج اناسا اكثر يفترشون الطرقات ويبيعون الكتب! قد تتغير حياتنا وقد نُصبح مشابهين للغرب في القراءة. لا اعلم اذا ذهبتم الى البلدان الاجنبية ولاحظتم كيف ان الكل يقرأ في الطائرة والباص وفي المحطات وكل مكان فيه انتظار اذ لا يوجد شيءٍ احلى في شغل الوقت من التطلع في الكتب و من القراءة.
إن القراءة تعطينا حيوات مختلفة وترينا اشياء ربما لن نتمكن من رؤيتها في حياتنا القصيرة هذه وتعرفنا على أمكنا قد تكون ملاذا لنا. بالطبع القراءة هي أخت الكتابة، عندما نقرأ كثيرا سنكتب كثيرا! فمن يعلم ربما سأجد كتابا لكم على طاولة صاحب الكتب!