بالامس التقيت بزوج عمتي والذي لم اره منذ اكثر من ٢٠ عام. لقد كبر في السن وانطفأ الضوء من احدى عيناه ولكنه كان يبدو سعيدا اذ أكرمه الله بالأولاد والأحفاد وكذلك الجيل الثالث من أبناء الاحفاد، وضل يخبرني بقصص الماضي السعيد لان هذا ما نتذكره عندما نكبر وننسى كل الاحداث الجديدة بسرعة،  لا اعلم لما يحدث هذا لنا هل لأننا لدينا الكثير من هذه الاحداث ولزيادة في اعداد المقربين لنا او ربما لان المخ قد أصابه خلل في بعض من خلايا المخ !وربما هذه القدره الالهية التي تجعلنا ننسى حتى لا نعيش في الماضي فقط.

لنعود الى موضوعنا:  عمتي هذه تزوجت من أبوامين بعد مولدي بأشهر قليلة وكانت عمتي تسكن معنا في نفس البيت كحالة معظم الاسر آنذاك في البحرين، وكان معنا عمي وزوجته وأولاده وكذلك عمتي الثانية ولم تكن متزوجة. احب ان اضيف هنا بأن لي من العمات ١٦ ومن الاعمام ٦ لان جدي كان متزوجا من العديد من النساء وهذا موضوع سأخوض فيه في مقالة أخرى.

لم تتمكن عمتي من الحمل لمدة ليست بالقصيرة ولذلك فقد أصبحت تعتني بي وتربيني كإبنتها  كما ساهم زوجها في تربيتي واعطائي اهتماما زائدا على الرغم من قلة ارزاقهم.  حتى صرت في التاسعة من عمري وانعمهما الله بالأولاد والبنات. توفيت عمتي قبل ١٦ عاما وحزنّا عليها كثيرا وانقطعت عن زيارتهم لمدة ليست بالقصيرة. لذا احسست بأن أبوامين كان عاتبا علي لأنني لا ازورهم وانني قد نسيته ونسيت حبه لي. وللمزح فقط قلت له بانه هو الذي انشغل عني وانه يحب أولاده وبناته اكثر وضحك الجميع الا هو بل تأثر من كلامي السليط !

من اهم ما اخبرني به في ذاك اليوم هو كيف بدأ والدي بالعمل في مجال الكهرباء! قال ان المستعمر الإنجليزي آنذاك أراد ان ينور شوارع وبيوت البحرين بالكهرباء، فنشر وقتها بأنه يريد شخص يعرف العربية والانجليزية، وكان والدي (رحمة الله عليه) يتكلم الإنجليزية بطلاقة فعمل معهم في اضاءة طرق البحرين ومنازلها ويقول بأن والدي كان يحمل شنطة سوداء ليضع فيها النقود (هههه) وقد تعلم  من الانجليرطريقة التسليك وتوصيل الأسلاك واللمبات وبقية الأشياء التي تحتاجها البيوت لأننا كما تعلمون كنا نعيش على ضوء الشموع والفنرات وهذا ما شجعه ليفتتح اول محل لبيع الأدوات الكهربائية وادخل معه اخاه كما شجه أبناء عمه على دخول هذه التجارة.

اود لو اقضي مع ابوامين (ابي الثاني) قليلا من الوقت حتى اسمع منه البعض من حكايا الماضي السحيق. وما اود ذكره هنا بأن عمتي ام امين كانت تجالسنا ونحن أطفالا شياطين وتحكي لنا القصص الجميلة (والتي اود ان اذكر بعضها الان) وهي تشوي لنا حبات الكستناء والبطاطا الحلوة على الفحم الذي كنا نتجمع حوله لنتدفئ من برد البحرين القارص (هذا ما اتذكره الان ان برد البحرين كان قاسيا انذاك)

الف رحمة على عمتي وابي وعمي. ذكراهم لن تغيب من ذاكرتي